بقلم عمار عبيدي
(22/09/2017)
ينظر الجميع إلى ما يحدث في الخليج العربي هذه الأيام على أنه أزمة عابرة بين قطر وجيرانها لكنه في حقيقة الأمر ملف خطير حيث أن الأزمة ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد العملاق الذي سيظهر فور تهيأة الظروف الملائمة لما يتم تحضيره للمنطقة.
وقد لا نبالغ إن قلنا أن ما يحدث هو فتنة أكبر من الكبرى في تاريخ الأمة لأن الفتنة الكبرى قامت على خلافات في الاجتهاد ولم تكن الأمور واضحة لعموم المسلمين بينما دين الناس اليوم واضح كالشمس في كبد السماء والحقائق جلية غير أن الجميع يقف على الربوة ظنا أنها فتنة بين دول بعينها، وكفى الله البقية شر الفتنة. لذلك يتسلى كثيرون بالمشاهدة ظنا أننا ما بعد الفرجة نهاية سعيدة بينما ستكون الحقيقة أفظع من صورة الصراع القطري مع بقية الدول، حيث سيكون الواقع تغييرا راديكاليا في خارطة الاسلام السني. إذ ستلتحق أغلبية سكان الخليج ذات النهج السلفي “بدين جديد” يتم تأسيس أركانه في مصر أساسه ما يسميه الدكتور أكرم حجازي “طبيخ النور، والذي نجد أمثلته فيما ينسب للأزهر الآن من شيوخ على شاكلة فتوى نكاح الميت وشيوخ الغناء والرقص أو إسلام على شاكلة النظم العلمانية المتطرفة التي حكمت فيما قبل الثورات وبعدها في تونس والمغرب العربي.
الخليج الجديد
هذا المخطط دقيق. وأصبحت الأدلة على وجوده كثيرة. وقد سربته مصادر كثيرة، في مقدمتها المغرد المعروف “مجتهد” الذي قال إن “الترتيب بين الإمارات ومصر والسعودية والبحرين أوسع مما نظن، والقضية دخلت فيها إسرائيل وأجهزة أمريكية مرتبطة بترامب”. وبحسب “مجتهد”، فإن “الخطة متكاملة، وهي مبنية على توحيد السياسة الأمنية والإعلامية والثقافية والتربوية (والتعامل مع الدين) في مصر، وكل دول الخليج، باستثناء عمان”.
وأوضح “مجتهد” أن “الخطة رُسمت لتكون مصر هي المرجع ومصدر الكوادر في التعامل مع الإعلام والأمن والتيارات الإسلامية ومناهج التعليم والمؤسسات الدينية”. الهدف من هذه الخطة، بحسب “مجتهد”، هو “إبعاد أي تأثير سياسي أو ثقافي أو تربوي أو مالي للدين في شعوب المملكة والخليج ومصر، كتهيأة لتطبيع أبدي وكامل مع إسرائيل”.
وقال: إن الترتيب لهذا الأمر بين السعودية ومصر والإمارات وإسرائيل، بدأ قبل تسلم ترامب للسلطة. لكن أوباما لم يشارك به؛ بسبب توجسه من هذا الفريق، وقلقه من تهور ابن سلمان، وفقا لـ”مجتهد”. الخطة التي قال “مجتهد” إن ترامب تحمّس لها، وهو ما عجل بالبدء بها من قبل ابن سلمان وابن زايد، تنص على “توظيف مئات الضباط والمسؤولين المصريين (المتصهينين) في الدول الخليجية، وبهم يتم توجيه الأمن والجيش والإعلام ومؤسسات الدين والتعليم”.
وأضاف: “كان نصيب السعودية 600 ضابط مصري من أمن الدولة، إضافة لضباط في الجيش وطيارين ودبلوماسيين يبدؤون الآن ترتيبات لاستلام المسؤولية”، إضافة إلى أن الإمارات كان لها نصيب كبير أيضا. وبعد حديثه عن توجس البحرين من تطبيق الخطة؛ خوفا من إيران، قال “مجتهد” إن معدّي الخطة كانوا يعتزمون تطبيقها في قطر بعد الانقلاب على حكامها، والكويت أيضا. وتابع: “يأتي في سياق هذه الخطة (في السعودية) مشروع التغريب، وتحجيم الهيئات، وتغيير المناهج، وتجميد النشاطات الدينية، واعتقال المشايخ الذي سيشمل المئات”.
وأردف قائلا: إن “حماس ابن سلمان للدخول في هذا المشروع يأتي بسبب تعهد إسرائيل له بضمان تطويع ترامب له، وإيصاله للعرش، ومن ثم ضمان نجاحه في تحييد بقية الأسرة”. ونوّه “مجتهد” إلى أن: “من ضمن ما نفذ من الخطة استخدام الإعلام ووسائل التواصل؛ لتغيير الذوق الشعبي ضد الإسلام عموما، والإسلام السياسي خصوصا، وتقبل إسرائيل كدولة شقيقة”.
لكن الشهادة الأبلغ على وجود هذه الخطة هي الشهادة التي سبقت ما غرد به مجتهد وهي تصريحات سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة التي قال فيها إن الخلاف مع قطر ليس دبلوماسيا بقدر ما هو خلاف فلسفي حول رؤية الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط.
وأضاف العتيبة، في مقابلة على قناة “بي بي إس” (PBS) الأميركية نشرت السفارة الإماراتية في أميركا مقاطع منها أن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر، حسب تعبيره.
وتحدث عن أن قطر دعمت خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة جماعات مثل الإخوان المسلمين وحماس وطالبان وجماعات مسلحة في سوريا وليبيا. وقال الدبلوماسي الإماراتي إن ذلك الدعم هو عكس الوجهة التي تعتقد الدول الخمس أن المنطقة بحاجة إلى الاتجاه إليها في السنوات القادمة.